فصل: قال ابن قتيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فالمقسمات} الملائكة. وقد حمل بعضهم الذاريات والحاملات على الرياح، فتكون مقدمة السحاب تثيرها وتسوقها، والثانية تدرها. والجاريات والمقسمات حملها على السحاب، لأنها تقسم الحظوظ والأرزاق وتجري بيسر وسهولة في مسير، كما قال الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها ** تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها ** مر السحابة لا ريث ولا عجل

وهذه أقسام، والواو التي فيها واو القسم، وجاز أن يقسم الله بها، ولا يجوز أن يقسم الخلق إلا بالله، لأن قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السر والعلانية، وليس ذلك إلا الله. وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم مما جرت به العادة بينهم، فيقسم ببعض خلقه على وجه يوجب الاعتبار، وإحضار القلب عند التنبيه على عجائب الفطرة وبدائع القدرة.
{ذات الحبك} طرائق الغيم، وأثر حسن الصنعة فيه، وهو في البيض الحبيك، وفي الشعر، وجماح الحمام: الحباك.
قال الشماخ:
قد وكلت بالهدى إنسان ساهمة ** كأنه من تمام الطميء مسمول

حتى استغاث بأحوى فوقه حبك ** تدعو هديلًا به العزف العزاهيل

{إنكم لفي قول مختلف} أمر مختلف، واحد مؤمن، وآخر كافر، وواحد مطيع وآخر عاص، وواحد يقول إنه ساحر، وآخر يقول: شاعر، وآخر: مجنون.
{يؤفك عنه من أفك} يصرف عن هذه الأفعال من صرف وقيل: يصرف عن الجزاء.
{قتل الخراصون} [10] لعن الكذابون.
{على النار يفتنون} [13] يحرقون، كما يفتن الذهب بالنار.
{ءاخذين ما آتاهم ربهم} [16] من الفرائض. وقيل: من الثواب.
{كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} [17] أي: قليلًا هجوعهم، إذ {ما} مع الفعل بمعنى المصدر.
{والمحروم} [19] الذي لا يسأل تعففًا وحياءً فيحرم. وقالت عائشة: هو المحارف الذي نبا عنه مكسبه.
{وفي السماء رزقكم} [22] الأمطار. أو تقدير رزقكم، وما قسم لكم.
{وما توعدون} من خير أو شر.
{مثل ما أنكم تنطقون} [23] لو جاء: (مثل ما تنطقون)، لفهم منه أنه حق مثل ما أن نطقكم حق، ويكون في نطقهم غير حق. وإذ قال: {مثل ما أنكم تنطقون}، كان معناه: مثل صحة كونكم ناطقين، كاذبين أو صادقين. ونصب {مثل}: على الحال، أي: إنه لحق مماثلًا لكونكم ناطقين، أو على أنه وصف مصدر محذوف، أي: إنه لحق حقًا يقينًا مثل نطقكم، ويجوز أن يبني مثل مع ما.
{قوم منكرون} [25] غرباء لا يعرفون.
{فراغ إلى أهله} [26] مال في خفية. والصرة: الرنة. وقيل: الصيحة من الصرير.
{حجارة من طين} [33] محجر، كقوله: {من سجيل}.
{وفي موسى} [38] أي: آية فيه، عطف على قوله: {وتركنا فيها آية}.
{فتولى بركنه} [39] أعرض بجموعه وجنوده. وقيل: بجانبه، ومنه الركون بمعنى الميل، لأنه يكون إلى جانب.
{الريح العقيم} [41] هي الدبور: لأنها لا تلقح بل تقشع السحاب، وهذا أصح مما روى ابن أبي ذئب: أنها الجنوب، ومما روى ابن جريج عن مجاهد: إنها الصبا، لأن كل واحدة من الصبا والجنوب تلقح وتدر ولا تعقم، ولذلك تحب وتؤثر، كما قال حميد بن ثور:
فلا يبعد الله الشباب وقولنا ** إذا ما صبونا صبوة سنتوب

ليالي أبصار الغواني وسمعها ** إلي وإذ ريحي لهن جنوب

وقال الأعشى:
وما عنده فضل تليد ولا له ** من الريح فضل لا الجنوب ولا الصبا

أي: لم ينل نائلًا، فيكون كالجنوب في مجيئه بالمطر، ولم ينفس عن أحد كربة فيكون كالصبا في التنفيس، هذا قول أبي علي فيه، وأن الظاهر منه: أمر الصبا الإلقاح والإثارة، ومن الجنوب: الإمطار والإدرار.
{كالرميم} [42] كالتراب. وقيل: كالرماد. وقيل: هو الشيء البالي الفاني. ويشهد للجميع قول أبي حية النميري:
رمتني وستر الله بيني وبينها ** عشية آرام الظباء رميم

ألا رب يوم لو رمتني رميتها ** ولكن عهدي بالنضال قديم

{فما استطاعوا من قيام} [45] أي: ما نهضوا بعذاب الله، وما قدروا على دفاع.
{وإنا لموسعون} [47] أي: ذو سعة وقدرة. وقيل: قادرون على أوسع من السماء. وقيل: لموسعون الرزق على الخلق. وقيل: لموسعون ما بين السماء والأرض.
{ومن كل شيء خلقنا زوجين} [49] أي: ضدين غنى وفقرا، وحسنًا وقبحًا، وموتًا وحياة، ونحوها.
{بل هم قوم طاغون} [53] هذا هو الموضع الذي يقول البصريون: إن أم المنقطعة بمعنى {بل}، للترك والتحول، إلا أن ما بعد {بل} متيقن، وما بعد أم مشكوك فيه ومسؤول عنه.
{ذو القوة المتين} [58] المتين: القوي. ولا يفسر بالشديد، لأن الشديد ليس في أسماء الله، والقوي منها، فكأن القول: ذو القوة التي يعطيها خلقه، القوي في نفسه، فخولف بين اللفظين والمعنى واحد-وإن كان المراد بها مختلفًا- لتحسين النظم.
{ذنوبًا} [59] نصيبًا، وأصله الدلو فيها ماء. كما قال حسان:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ** وسقى الغوادي قبره بذنوب

تمت سورة الذاريات. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الذاريات:
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}.
قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} واحدها الحِباك.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}.
وقال: {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي: مَتَى يَوْمُ الدِّينِ. فقيل لهم: في يومِ هُمْ على النارِ يُفْتَنون. لأنّ ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب وفيه فتنتُهم على النار.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ}.
وقال: {ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي: سَجْلًا من العذاب. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة الذاريات مكية كلها.
1- {وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا}: الرياح. يقال: ذرت الريح التراب تذروه ذروا، وتذريه ذريا. ومنه قوله: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ} [سورة الكهف آية: 45].
2- {فَالْحامِلاتِ وِقرًا}: السحاب تحمل الماء.
3- {فَالْجارِياتِ يُسْرًا} أي السفن تجري في الماء جريا سهلا. ويقال: تجري ميسرة، أي مسخرة.
4- {فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا}: الملائكة. هذا أو نحوه يؤثر عن علي رضي اللّه عنه.
6- {وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ} يعني الجزاء بالأعمال والقصاص. ومنه يقال: دننته بما صنع.
7- {وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ}: ذات الطرائق. ويقال للماء القائم- إذا ضربته الريح، فصارت فيه طرائق: له حبك. وكذلك الرمل: إذا هبت عليه الريح، فرأيت فيه كالطرائق- فذلك: حبكه.
9- {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يصرف عنه، ويحرمه من حرمه يعني: القرآن.
10- {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} أي لعن الكذابون الذين قالوا في النبي صلّى اللّه عليه وسلم: كاذب وشاعر وساحر، خرصوا ما لا علم لهم به.
13- {يُفْتَنُونَ}: يعذبون.
14 – {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي ذوقوا عذابكم...
{الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا.
17- {يَهْجَعُونَ} أي ينامون.
18- {وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي يصلون.
19- {وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ} يعني: الطواف، {وَالْمَحْرُومِ} المحارف، وهو: المقتر عليه في الرزق. وقيل: الذي لا سهم له في الغنائم.
26- {فَراغَ إِلى أَهْلِهِ} أي عدل إليهم في خفية. ولا يكون (الرواغ) إلا ان تخفي ذهابك ومجيئك.
28- {فَأَوْجَسَ} في نفسه... {خِيفَةً} أي أضمرها.
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} إذا كبر.
29- {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صحية. ولم تأت من موضع إلى موضع، إنما هو كقولك: أقبل يصيح، وأقبل يتكلم. {فَصَكَّتْ وَجْهَها} أي ضربت بجميع أصابعها جبهتها، {وَقالتْ}: أتلد {عَجُوزٌ عَقِيمٌ}؟!.
33- {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ}، قال ابن عباس: هو الآجر.
34- {مُسَوَّمَةً} أي معلمة.
39- {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} و(بجانبه) سواء، أي اعرض.
40- {هُوَ مُلِيمٌ} أي مذنب. يقال: ألام الرجل، إذا اتى بذنب يلام عليه. قال الشاعر:
ومن يخذل أخاه فقد ألاما

45- {فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ} أي ما استطاعوا ان يقوموا لعذاب اللّه.
47- {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أي بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي قادرون. ومنه قوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [سورة البقرة آية: 236].
49- {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} أي ضدين: ذكرا وأنثى، وحلوا وحامضا، وأشباه ذلك.
56- {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يعني المؤمنين منهم، أي ليوحدوني. ومثله قوله: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} [سورة الزخرف آية: 81]، أي الموحدين.
57- {ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} أي ما أريد ان يرزقوا أنفسهم، {وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} أي يطعموا أحدا من خلقي.
58- {والْمَتِينُ}: الشديد القوي.
59- و{الذنوب}: الحظ والنصيب. وأصله: الدلو العظيمة. وكانوا يستقون، فيكون لكل واحد ذنوب. فجعل (الذنوب) مكان (الحظ والنصيب): على الاستعارة. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة والذاريات:
1 {وَالذَّارِياتِ}: الرياح.
2 {فَالْحامِلاتِ}: السحاب.
3 {فَالْجارِياتِ}: السفن.
4 {فَالْمُقَسِّماتِ}: الملائكة. وهذه أقسام يقسم اللّه بها ولا يقسم بها الخلق لأنّ قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السّرّ كالعلانية وهو اللّه، وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم، فيقسم ببعض بدائع خلقه على وجه يوجب الاعتبار ويدل على توحيده.
فالرياح بهبوبها وسكونها لتأليف السّحاب، وتذرية الطّعام واختلاف الهواء وبعصوفها مرّة ولينها أخرى. والسّحاب بنحو وقوفها مثقلات بالماء من غير عماد، وصرفها في وقت الغنى عنها بما لو دامت لأهلكت، ولو انقطعت لم يقدر أحد على قطرة منها، وبتفريق المطر، وإلّا لأهلك الحرث والنّسل، والسّفن فبتسخير البحر لجريانها، وتقدير الريح لها بما لو زاد لغرق، ولو ركد لأهلك. والملائكة بتقسيم الأمور بأمر ربّها.
6 {وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ}: الجزاء على الأعمال.
7 {الْحُبُكِ}: طرائق الغيم وأثر حسن الصّنعة فيه.
و(المحبوك): ما أجيد عمله.
8 {لَفِي قول مُخْتَلِفٍ}: أمر مختلف واحد مؤمن وآخر كافر، ومطيع وعاصي. أو قائل إنّه ساحر، وآخر إنّه شاعر، وآخر إنه مجنون، وفائدته أنّ أحدهما في هذه الاختلاف مبطل لأنّه اختلاف تناقض.
9 {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}: يصرف عن هذه الأقوال من صرف.
10 {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}: لعن الكذّابون. من (الخرص)، والخرص: القطع، فالخرّاص يقتطع الكلام من أصل لا يصحّ.
13 {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}: يحرقون كما يفتن الذهب بها.
16 {آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ}: من الفرائض، أم من الثواب.
19 {وَالْمَحْرُومِ}: الذي لا يسأل حياء. وقيل: المحارف الذي نبا عنه مكسبه.
21 {أَفَلا تُبْصِرُونَ}: لا تنظرون بقلوبكم نظر من كأنّه يرى الحقّ بعينه.
22 {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ}: الأمطار، أو تقدير رزقكم.
{وَما تُوعَدُونَ}: من خير أو شرّ. وقيل: الجنّة لأنّها في السّماء الرابعة. ونصب {مِثْلَ} على الحال، أي: إنّه لحق مماثلا لكونكم ناطقين. أو التقدير: إنه لحق حقا مثل نطقكم. ومن رفع جعله صفة {لَحَقٌّ}، والمعنى في الجميع: إنه لحق مثل أنكم ممّن ينطق حق.
25 {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}: غرباء لا تعرفون.
26 {فَراغَ}: مال في خفية.
و(الصرّة): الصّيحة، من (الصّرير).
33 {حِجارَةً مِنْ طِينٍ}: محجّر، كقوله: {مِنْ سِجِّيلٍ} لا من حجارة البرد التي أصلها الماء.
38 {وَفِي مُوسى}: أي: آية فيه، عطف على {وَتَرَكْنا فِيها آيَةً}.
39 {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ}: أعرض بجموعه وجنوده.
41 {الرِّيحَ الْعَقِيمَ}: الدّبور، لا تلقح وتقشع السّحاب.
42 {كَالرَّمِيمِ}: كالتراب. وقيل: كل بال فان.
45 {فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ}: ما نهضوا بالعذاب وما قدروا على دفاع.
47 {لَمُوسِعُونَ}: ذو سعة وقدرة، أو لموسعون السّماء أو الرزق.
49 {خَلَقْنا زَوْجَيْنِ}: ضدين: غنى وفقرا، وحسنا وقبحا، وحياة وموتا.
58 {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}: المتين: القويّ، ولا يفسّر ب (الشّديد) لأنّه ليس في أسماء اللّه، فكأنه ذو القوة التي يعطيها خلقه، القويّ في نفسه، فخولف بين اللّفظين لتحسين النّظم.